كبار المثقفين و سعدي يوسف بين المعيار الشعري والمعيار الاخلاقي

2021-04-28
145

 

بقلم  د.قاسم حسين صالح

تابعت مواقف كبار المثقفين من سعدي يوسف وهو على فراش الموت، فوجدت ما يثير الاستغراب في تضاد مواقفهم .ولا يعنيني هنا صحة او خطأ هذا الموقف او ذاك من شاعر،بل موقف المثقفين تحديدا من الحالة نفسها بشكل عام..اعني،هل ينبغي ان يكون المثقفون الى جانب الشاعر حين يكون في محنة اوعلى فراش الموت برغم انه مدح حاكما او طاغية، او اساء لرجل دين، او كان طائفيا في آخر ايامه..ام اننا نتخلى عنه ونلعنه حيا وميتا؟

نعم ان سعدي يوسف شخصية اشكالية، فمنهم من يعدّه آخر كبير في قافلة الشعراء الملحدين والزنادقة التي يتصدرها ابو العلاء المعري ،ومنهم من لا يهمه في الشاعر الحاده او ايمانه بقدر منجزه الشعري،ومنهم من يعد سعدي طائفيا مع ان الشيعة والسنة قذفوه بكل ما في الشتيمة من مفردات،وأنه لا قيمة للشعر الذي لا يكترث بقين الناس ومعتقداتهم.
مثال ذلك،ان عزرا بوند كان شاعرا كبيرا،لكن ابداعه الشعري لم يغفر له مناصرته للفاشية..وجون شتاينبك لم يشفع له ابداعه الروائي عندما شتم ثوار فيتنام.

بالمقابل..الجواهري مدح ملوكا وطغاة، وشتمه الشيوعيون في صحافتهم..ومع ذلك فان صورته تتصدر الآن واجهة مبنى اتحاد الأدباء في بغداد ،ويمنح الاتحاد درعا باسمه في تكريمه لشخصيات ثقافية..ويتبوأ الآن شعراء اكاديميون اعلى المسؤليات الثقافية فيما هم كانوا يتباهون امام طلبتهم صباح الليلة التي مدحوا صدام في حضرته!

وباستثناء مثقفين تعاطفوا انسانيا مع التسعيني الذي يحتضر ،سعدي يوسف(عمر السراي مثالا)،وآخرين ادانوا ما كتبه سعدي في سنواته الأخيرة دون الأساءة الى شخصه ،فان مثقفين كبارا مارسوا سيكولوجيا الأتهامات ،فأحدهم اتهم الدكتور حسن ناظم بانه عميل اميركي لأنه طلب من وزارة الخارجية رعاية سعدي يوسف في لندن ،وآخر اتهم شاعرا معروفا بانه لا يفقه في الشعر شيئا..ولك ان تقرأ ما كتبه الأخوة(،حسن ناظم،فارس حرام،كاظم الشاهري، مظهر عارف….).نعم ،لكل مثقف الحق في ان يعبر عن رأيه وللاخر الحق في الردّ عليه..ولكن باسلوب مهذّب لأن المثقف شخصية اجتماعية!،فيما ،رأينا بين من هم قدوة في الثقافة، بمستوى لا يختلف عن مواقف سياسيين طائفيين وآخرين سفهاء.

والمخجل اكثر الذي يثير أكثر من تساؤل، ان وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم اعتذر في اليوم نفسه عن دعوته لمساعدة سعدي يوسف موضحا بأنها(انطلقت من بعد انساني محض اسسه الاسلام، وان ايماني بقيمي الدينية المقدسة واحترامي وتقديري لمشاعر الكثرة الكاثرة من الناس اهم من تعاطفي ذاك ،لايماني كمسؤول في الدولة، بان القيم المقدسة ومشاعر الناس اولى بالمراعاة).

والتساؤل:

هل يعقل هذا التبرير من مثقف كبير ان الناس! افهموه انه كان على خطأ ،أعني هل انه مقتنع فعلا بأن دعوته لمساعدة شاعر بوصفه المسؤول الأول عن الثقافة كان زلة..ام انه كان مجبرا على الاعتذار، وانه في داخله مقتنع تماما بدعوته لمساعدة سعدي يوسف؟ التي اوضح فيها (ان هدفي كان ان ارسل رسالة الى العراقيين ، الى العالم العربي ، الى العراقيين ،خاصة الذين يقولون دوما ان دولة العراق الجديدة لا تتخلى عنهم رغم كل شيء). ما يعني انهم ادخلوه في سيكولوجيا التناشز المعرفي ، بين يقينه الذي اعلنه في صفحته على الفيسبوك بأن (ما سيبقى من سعدي يوسف شيء واحد، وهو الشاعر الكبير الذي حجز مكانته في تاريخنا الشعري ومعتمدنا الادبي! منذ امريء القيس حتى السياب)،وبين ما دفعوه الى ان يعلن نقيضه مضطرا،ومعاقبة الذات في سرّه!.

الحقيقة المؤكدة ان وزارة الثقافة،في العراق وغيره، تخدم الدولة،فكم من شاعر ،من مثقف ضحّى من اجل الوطن واشاع ثقافة التنوير بين الناس هو الآن منسيا،وكم من مثقفين كبارا عانوا المحنة فما اعانتهم، ومنهم من ماتوا وما شيعتهم..وآخرون احياء هم الآن مهمشون.

ولهذا فان هذه الأشكالية تخص اتحاد الأدباء والكتّاب ،وله نقول..ان احسموا الموقف،لا من سعدي يوسف..بل من آخرين أحياء سيأتي يوم يكونون فيه على فراش الموت..هل نعتمد المعيار الشعري أم المعيار الأخلاقي في الحكم عليهم؟. هل نتعاطف معهم انسانيا،ام نلعنهم وهم يحتضرون؟!

التصنيفات : مقالات
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان